الرئيسية > أمراض وحالات > اسباب وجع القلب

اسباب وجع القلب

يطلق الناس تعبير “وجع القلب” على أي ألم يحسون به في منطقة الصدر الأمامية، خاصة جهة اليسار بالقرب من القلب. والحقيقة أن القلب ليس هو المصدر الوحيد لمثل هذا الألم. وتتنوع أسباب هذا الألم ما بين أمراض القلب والشرايين التاجية، وأمراض الشريان الأبهر، وأمراض الرئتين، وأمراض الجهاز الهضمي، وأمراض القفص الصدري، بل والأمراض النفسية أيضا. والقاسم المشترك بين هذه الأمراض، والذي يجعل الشخص يحس بالألم الناتج عنها في نفس المكان رغم اختلاف مصدره، هي أنها تشترك من حيث الإمداد العصبي في نفس قطع الحبل الشوكي، وأيا كان مصدر الألم فإنه ينعكس في نفس المكان على السطح الخارجي لجدار الصدر.

أمراض القفص الصدري

والسبب الأكثر شيوعا لهذه الآلام هو أمراض القفص الصدري مثل التهابات المفاصل والغضاريف والضلوع وتقلصات العضلات التي بين الضلوع، وإن كانت بعض أمراض القفص الصدري غير شائعة مثل كسور الضلوع والالتهابات الجلدية العصبية الناتجة عن فيروس “هربس”. ويتميز الألم الناتج عن أمراض القفص الصدري بأنه يكون عادة في صورة وخز يزيد مع حركة الجسم ومع اختلاف أوضاع الصدر والذراع، والألم المحسوس تلقائيا يكون مصحوبا بألم عند الضغط بالإصبع على مكان المرض، وكثيرا ما يمتد الألم الموجود فوق نقطة معينة من السطح الأمامي لجدار الصدر إلى النقطة المقابلة لها على الظهر. وقد ينتج هذا الألم من الأمراض الروماتيزمية، أو من ضمور فقرات العنق والزوائد العظمية بها، والتي تضغط على الأعصاب الخارجة من الحبل الشوكي.

أمراض القلب والأوعية الدموية

أما امراض القلب فمنها الأمراض شديدة الخطورة كالذبحة الصدرية، وجلطة الشريان التاجي الحادة، وتمزق جدار الشريان الأبهر، ومنها الأمراض الأقل خطورة مثل التهاب غشاء التامور المحيط بالقلب.

الذبحة الصدرية

  • أما ألم الذبحة الصدرية فإنه في الغالب يكون في صورة ضغط شديد فوق الصدر، يبدأ خفيفا ثم تزيد حدته سريعا، ويكون مركزا أساسا في منتصف الصدر خلف عظمة القص، وعادة يحدث أثناء المجهود البدني أو الانفعال الشديد، وتخف حدته ثم يختفي خلال دقائق، بعدما يخلد المريض إلى الراحة ويهدأ انفعاله، كما يتحسن مع أدوية النترات الموسعة للشرايين التي يضعها المريض تحت اللسان، ويتم امتصاصها سريعا، ليظهر تأثيرها خلال دقائق معدودة.
  • هذا الوصف التقليدي لألم الذبحة الصدرية، عندما يصفه المريض للطبيب، يرجح كثيرا عند الطبيب احتمال الذبحة الصدرية كسبب لألم الصدر، ولكنه قد لا يحدث في جميع الحالات وإنما هناك حالات غير تقليدية. فقد تختلف صورة الألم من إحساس بالضيق الشديد في منتصف الصدر، إلى ألم يشبه تقطيع السكين، أو إحساس بالحرقان، أو العصر الشديد، إلى غير ذلك.
  • وسبب الذبحة الصدرية هو ضيق الشرايين التاجية، وهي الشرايين المغذية لعضلة القلب، الناتج عن مرض تصلب الشرايين في معظم الأحوال، ويتسبب الضيق في قصور إمداد عضلة القلب بما تحتاج إليه من الدم. وكلما زادت شدة المرض زادت الأعراض، من حيث عدد مرات حدوث الذبحة الصدرية، وشدة الأزمة في كل مرة، والمدة التي تمكثها كل نوبة، كما أنها تنتج عن مجهود أقل فأقل، حتى تتطور إلى الذبحة التي تحدث أثناء الراحة ومن دون أي مجهود.
  • وعلى العكس من ذلك، قد يوجد المرض الشديد من دون أعراض مطلقا، إما لأسباب واضحة كمرض السكري الذي يتلف الأعصاب ويمنع الإحساس بالألم، أو لأسباب غير مفهومة. وفي هذه الحالات قد يكون الظهور الأول للمرض في صورة خطيرة مثل الجلطة الحادة للشريان التاجي.

جلطات الشريان

آلام جلطات الشريان التاجي الحادة تأخذ عادة نفس صورة الذبحة الصدرية، إلا أن الألم يكون أشد، ويمكث لفترة أطول تزيد على عشرين دقيقة. في بعض الحالات قد يؤدي قصور الشرايين التاجية إلى الوفاة المفاجئة، من دون أن يسبق ذلك أي أعراض في أي وقت.

تمزق الشريان

أما تمزق الشريان الأبهر الحاد فإنه، على عكس الذبحة الصدرية، يسبب آلاما شديدة الوطأة من أول لحظة، ثم تبدأ في التحسن تدريجيا، وغالبا تكون ناتجة عن ارتفاع شديد في ضغط الدم. وهو مرض شديد الخطورة، قد يؤدي إلى الوفاة سريعا، قبل أن يتمكن الأطباء من إنقاذ حياة المريض.

التهاب غشاء التامور

ويسبب التهاب غشاء التامور ألما يستمر لساعات أو أيام، ويكون أشد ما يكون حينما يستلقي المريض على ظهره، ويتحسن بالجلوس والانحناء للأمام. وغالبا ما يكون هذا الالتهاب مسبوقا بأعراض تدل على حدوث التهاب فيروسي، تشبه أعراض نزلات البرد، قبل أن يتطور الأمر الى التهاب غشاء التامور بعد عدة أيام.

الأمراض الصدرية

تسبب الالتهابات الرئوية، والتهاب غشاء البلورا المحيط بالرئة، ألما مرتبطا أساسا بحركات التنفس، إذ تزيد حدته مع كل شهيق، وتصاحبه الأعراض الأخرى الخاصة بتلك الالتهابات، مثل السعال والبلغم وارتفاع درجة حرارة الجسم.

أمراض الجهاز الهضمي

أما أمراض الجهاز الهضمي، التي تسبب آلاما بالصدر، فتشمل تقلصات المريء والتهاباته، وارتجاع حامض المعدة إلى المريء، والتهاب المعدة، وقرحة المعدة والإثنى عشر، والتهابات وحصوات الحوصلة المرارية. ولكل من هذه الأمراض مظاهر أخرى تميزها، وتشير إليها كسبب من أسباب ألم الصدر. فأمراض الحوصلة المرارية مثلا قد تكون مصحوبة بالمغص المراري الحاد، وأمراض المريء والمعدة قد تكون مصحوبة بالغثيان والقيء وهكذا. ويكون الألم في هذه الأمراض مرتبطا على الأغلب بالوجبات. وفي العادة تستمر نوبات الألم الناتج عن هذه الأمراض لفترة طويلة قد تصل إلى عدة ساعات.

الأمراض النفسية

هناك أمراض نفسية تؤدي إلى أعراض جسمانية، قد تكون هي السبب وراء آلام الصدر، مثل القلق النفسي ومرض الاكتئاب. وربما احتاج الأمر إلى استشارة الطبيب النفسي الذي يستطيع تمييز هذه الحالات وعلاجها.

كيفية التمييز بين هذه الأسباب

كما ترون فإن أسباب وجع القلب كثيرة ومتنوعة، وتنتج عن أمراض تصيب الكثير من أجهزة الجسم، وليس فقط عن أمراض القلب، وهي بالتالي تحتاج إلى الطبيب المتخصص، الذي يستطيع أن يميز بينها، عن طريق المواصفات الخاصة بكل منها، والتي بينا بعضها فيما سبق.

ولأن أخطر هذه الأسباب هو قصور الشرايين التاجية وتمزق الشريان الأبهر، فإن السؤال الأول الذي ينبغي على الطبيب أن يسأله لنفسه عندما يواجه حالة من حالات ألم الصدر هو: هل هناك سبب واضح للألم أم أن احتمال الذبحة الصدرية أو جلطة الشريان التاجي الحادة أو تمزق الشريان الأبهر هو احتمال قائم؟

فإن كان هناك سبب واضح تماما للألم غير هذه الأمراض الخطيرة، اتجه الطبيب إلى علاجه، وإلا فعليه أن يستبعد أو يثبت بالدليل القاطع وجود هذه الأمراض الخطيرة. وهنا يحتاج الطبيب إلى إجراء الفحوص الطبية الخاصة التي تكشف هذه الأمراض وتشخصها تشخيصا دقيقا.

الفحوص الطبية

تقسم الفحوص الطبية الخاصة بأمراض القلب والأوعية الدموية إلى مجموعتين: الأبحاث غير النافذة، والأبحاث النافذة. ويقصد بالأبحاث النافذة تلك التي تحتاج إلى إدخال القساطر والأسلاك إلى الشرايين، وحقن الصبغة لتصوير الشرايين، وتسمى: القسطرة القلبية مع تصوير الشرايين التاجية بالصبغة.

الأبحاث غير النافذة

أما الأبحاث غير النافذة فإنها لا تحتاج لشيء من ذلك، وتستطيع تشخيص المرض عن طريق تخطيط القلب الكهربائي، أو التصوير الخارجي باستخدام الموجات فوق الصوتية، أو المسح الذري، أو الأشعة المقطعية بالحاسب الآلي، أو الرنين المغناطيسي.

تخطيط القلب الكهربائي مع المجهود

فمن الأبحاث غير النافذة تخطيط القلب الكهربائي مع المجهود. ففي هذا البحث يبذل المريض مجهودا متمثلا في المشي على جهاز يشبه جهاز المشي الرياضي، ويتم زيادة سرعة المشي بالتدريج حتى يبذل المريض أقصى مجهود ممكن، ويقوم الطبيب المختص بمراقبة تخطيط القلب على شاشة خاصة طوال مدة المشي، للوقوف على أي تغيرات تدل على قصور الشرايين التاجية.

ويمكن أن يستخدم نفس المجهود ثم يحقن في نهاية المدة مادة مشعة، ثم يتم تصوير مقاطع متتالية لعضلة القلب، باستخدام كاميرا خاصة تسمي “كاميرا أشعة جاما” للوقوف على أي علامات لقصور الدورة الدموية في مقاطع محددة من عضلة القلب، مما يشير إلى مرض الشرايين المغذية لهذه المقاطع. ويسمى هذا الفحص “المسح الذري لعضلة القلب مع المجهود”. وإذا لم يكن المريض قادرا على المشي لأي سبب، يمكن أن يتم إجهاد القلب باستخدام أدوية خاصة، ويتم إجراء الفحص المطلوب.

التصوير بالموجات فوق الصوتية

أو يتم التصوير باستخدام الموجات فوق الصوتية، قبل وأثناء وبعد المجهود، وذلك للوقوف أيضا على علامات تدل على قصور الشرايين التاجية، وهو ما يسمى ” الفحص بالموجات فوق الصوتية مع المجهود “.

الأشعة المقطعية بالحاسب الآلي

أما الأشعة المقطعية بالحاسب الآلي، فإنها تستخدم صبغة خاصة تحقن في الوريد، ثم يقوم الحاسب الآلي بالتقاط صور متراكمة للشرايين التاجية، نستطيع من خلالها تشخيص المرض بدقة. كما يحتاج التصوير بالرنين المغناطيسي أيضا إلى صبغة خاصة به.

وكل هذه الأبحاث غير النافذة لا تصل نسبة الدقة فيها إلى نفس درجة الدقة في القسطرة القلبية، إلا أنها أسهل وأقل خطورة من القسطرة.

الأبحاث النافذة

أما الأبحاث النافذة، والمتمثلة في القسطرة القلبية مع تصوير الشرايين التاجية بالصبغة، فهي أكثر الفحوص دقة على الإطلاق، إلا أن نسبة المضاعفات فيها أكبر، والتي قد تصل إلى الوفاة أثناء الفحص، وإن كانت المضاعفات قد قلت كثيرا في العصر الحديث، بفضل زيادة خبرة الأطباء، والتقدم المستمر في تصنيع الأدوات المستخدمة. يستطيع الطبيب المختص اختيار الفحص المناسب لكل مريض على حدة، اعتمادا على الخطوط الإرشادية التي تصدرها الهيئات الطبية المتخصصة.

القسطرة القلبية

وللقسطرة القلبية ميزة أخرى فوق كل الأبحاث السابقة، وهي أنها توفر الفرصة للتدخل الفوري لتوسيع الشرايين التاجية الضيقة، وتركيب دعامات بها، لتقليل فرصة عودة الضيق مرة أخرى. أي أن القسطرة القلبية هي وسيلة تشخيصية وعلاجية في نفس الوقت. ويتم عمل القسطرة القلبية بإدخال قسطرة طويلة، مصنوعة من مواد خاصة، عن طريق شريان الفخذ أو شريان أسفل الذراع، ثم الدفع بها مع مراقبتها على شاشة خاصة، حتى تصل إلى منشأ الشريان التاجي من الشريان الأبهر، ثم تحقن الصبغة في الشريان التاجي نفسه، وتلتقط الصور اللازمة، التي تظهر تفاصيل المرض بوضوح. وحال اكتشاف ضيق في أحد الشرايين قابل للتوسيع بالبالون وتركيب الدعامة فيه، يتم إدخال البالونات الخاصة بالتوسيع أولا عن طريق قساطر خاصة بهذا الغرض، وبعد توسيع مكان الضيق يتم إدخال الدعامة وتثبيتها في مكانها. وللدعامات أنواع كثيرة: فمنها الدعامات المعدنية، ومنها الدعامات الدوائية، ومنها الدعامات الحيوية التي يمتصها الجسم بعد فترة.

علاج أمراض الشرايين

  • هناك حالات شديدة لأمراض الشرايين التاجية غير قابلة للعلاج عن طريق القسطرة، وتحتاج إلى إجراء عمليات القلب المفتوح، لتركيب وصلات للشرايين التاجية الضيقة، تتخطى مكان الضيق وتوصل الدم اللازم لعضلة القلب.
  • وهناك حالات أخرى لا يصلح لها لا هذا ولا ذاك، لشدة المرض بها، ولا يكون متبقيا أمام المريض من فرصة إلا العلاج الدوائي، الذي يساعد المريض قدر الإمكان. وهذه هي أشد الحالات بطبيعة الحال.
  • وعلى العكس من ذلك هناك حالات بسيطة يكفي فيها العلاج الدوائي ولا تحتاج للعلاج بالقسطرة ولا العلاج بالجراحة، وهي أبسط الحالات بطبيعة الحال.