الصرع

يعد مرض الصرع مرضا عصبيا حيث أنه أحد أمراض الجهاز العصبي المنتشرة بكثرة في جميع أنحاء العالم. ويحدث مرض الصرع نتيجة اعتلال في قشرة المخ والتي تؤدي إلى حدوث خلل في الشحنات الكهربية عند انتقالها من القشرة المخية عبر الأعصاب إلى باقي أطراف الجسم. ويطلق مرض الصرع على النوبات الصرعية المتكررة والتي هي عبارة عن تمظهرات سريرية مفاجئة سواء كانت حسية أو نفسية أو حركية والتي من الممكن أن تكون مصحوبة بفقدان الوعي ولا يعني حدوث نوبة صرعية واحدة بوجود مرض الصرع.

ويشتق مصطلح الصرع Epilepsy من الفعل الإغريقي epilambanein والمقصود بها هاجم بغتة وهي مرتبطة بالمرض المقدس في عهد الإغريق أي أن المريض كان يعتبر مصابا من قبل الآلهة، حتى جاء أبو قراط سنة 400 قبل الميلاد وربط هذا المرض باختلال على مستوى المخ البشري. وقد ارتبط مفهوم الصرع قبل النهضة الأوروبية لدى الرومان والأوروبيين باستحواذ الشياطين الأمر الذي ساعد على انعدام الأدوية التي تعالج هذا المرض وقتها. ولا يزال موجود في هذا العصر الذي تجتاحه التكنولوجيا من جميع النواحي ويسيطر عليه التطور العلمي والثورة الطبية الحديثة من يظن أن هذا المرض مرتبط بدخول الجن إلى بدن الإنسان.

إنتشار المرض

يوجد ما يعادل 50 مليون شخصا مصابا بهذا المرض من جميع الفئات العمرية (الرضع، الأطفال، الشباب، الحوامل والمسنين) وتمثل نسبة المصابين في سن أقل من 15 عاما أكثر من 40 بالمائة من إجمالي المصابين بهذا المرض حول العالم، ويتم سنويا تشخيص إصابة حوالي 2,4مليون شخصا حول العالم بمرض الصرع. وقد أجريت بعض الدراسات في بلدان منخفضة ومتوسطة الدخل وأشارت إلى أن نسبة المصابين بالصرع عالية وتتراوح ما بين 7 و 14 شخصا لكل 1000 نسمة. تقدر نسبة انتشار هذا المرض في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا نحو 7 أشخاص لكل 1000 نسمة. وفي آسيا وأمريكا اللاتينية تختلف هه النسبة من دولة إلى أخرى حيث تبلغ النسبة الأكبر في بنما بنسبة 57 شخصا لكل 1000 نسمة والمكسيك بنسبة 18 شخصا لكل 1000 نسمة وأصغر نسبة في الصين بنسبة 3 أو 4 أشخاص لكل 1000 نسمة. أما في أفريقيا فتصل أعلى نسبة إصابة بهذا المرض في المناطق الاستوائية بنسبة 49% وأقل نسبة في شمال أفريقيا بنسبة 5%.

آليات حدوث مرض الصرع

النشاط الطبيعي للمخ ينشأ نتيجة لمرور الملايين من الشحنات الكهربية في الخلايا العصبية للمخ ومنها إلى باقي أجزاء الجسم. ومن الممكن أن يحدث خلل في هذا النمط الطبيعي من النشاط الكهربائي نتيجة لانطلاق شحنات شاذة ذات تأثير أقوى من الشحنات الطبيعية والتي ثؤثر على وعي الانسان وأحاسيسه وحركة جسمه لفترة قصيرة من الزمن ويتم الإشارة لهذه الأعراض بالنوبة الصرعية. وللتعرف على آلية حدوث المرض لابد من التعرف على العوامل المتدخلة في احداث المرض، وما يحدث على مستوى المخ لانتاج الشحنات الصرعية، وكيفية انتشار تلك الشحنات الصرعية بعد انتاجها.

العوامل المتدخلة في احداث المرض

عوامل وراثية: وهذه العوامل نتيجة لوجود عامل وراثي متنقل من جيل إلى آخر بين أفراد بعض العائلات التي تعاني من الصرع كما هو الحال بالنسبة للصرع الرمعي الشبابي.

عوامل طارئة: وهي تلك العوامل التي تصيب قشرة المخ فجأة مثل الجلطة الدماغية والنزيف الدماغي والأورام أو أي أمراض أخرى والتي تتسبب في مرض الصرع.

ما يحدث على مستوى المخ

ولتبسيط ذلك يمكن تمثيل جسم الإنسان بأنه سلك كهرباء يمر خلاله الشحنات الكهربية، فكلما زادت نسبة هذه الشحنات على مستوى المخ تؤدي إلى انتاج تلك الشحنات غير الطبيعية المعروفة بالتشنجات على مستوى أطراف جسم الانسان. وتحدث هذه الآلية متمثلة في اختلال على مستوى التبادلات الأيونية داخل الخلية العصبية وأيضا اختلال في التشابكات العصبية والذي يحدث نتيجة فرط في إزالة الاستقطاب مما ينتج عنه اثارة كبيرة وممتدة في الجهد.

كيفية انتشار الشحنات الصرعية

ويمكن تقسيم عملية انتشار الشحنات الصرعية بعد انتاجها إلى ثلاث مراحل كما يلي:

1- بداية الشحنة الصرعية

يبدأ الصرع من داخل المخ من منطقة مصابة وتسمى هذه المنطقة بالبؤرة الصرعية، وتنطلق الشحنة الصرعية من هذه المنطقة حيث تكون الخلايا العصبية أو ما يطلق عليها العصبونات في قمة إثارتها في هذه المنطقة.

2- انتشار الشحنة الصرعية

نظرا لوجود عدة روابط محلية بين الخلايا يتم انتشار الشحنة الصرعية من منطقة البؤرة الصرعية عبر العصبونات المحيطة بالبؤرة والذي يساعد في تزامن الشحنات وانتشارها، وترتبط الأعراض المصاحبة بالمنطقة المصابة من القشرة المخية فمثلا عند اصابة القشرة المخية الحركية يتابع ذلك تشنجات في الأطراف.

3- نهاية الشحنة الصرعية

ويوجد العديد من الآليات التي تساعد على انهاء الشحنة الصرعية وتؤدي إلى توقفها ومن هذه الآليات الناقل العصبي المثبط والخلايا النجمية والتي تساعد على استرداد البوتاسيوم والنواقل المستهلكة.

أسباب الصرع

المسببات الوراثية

يعد عامل الوراثة من أهم الأسباب التي تصيب الشخص بمرض الصرع، حيث يكون هذا السبب مرتبطا ببعض التغيرات التي تحدث في جينات الخلايا وتؤدي إلى حدوث نوبات صرعية متكررة ويمكن التنبؤ به في حالة وجود عدة أشخاص مصابين بالصرع في العائلة الواحدة. ويوجد بعض العوامل التي تعزز من ظهور المرض في هذه الحالة مثل شرب الكحول والتعرض للضوء المفرط والإرهاق وقلة النوم. ومن الأمثلة الشائعة لهذا النوع صرع الغياب والصرع الرمعي الشبابي.

المسببات الطارئة

تعرف هذه المسببات بالمسببات المكتسبة والتي ينتج عنها الصرع ولا يكون متوارثا من شخص آخر. ويمكن ذكر البعض منها فيما يلي.

الإصابات الشديدة للرأس

عندما يتم اصابة المخ بنزيف داخلي أو كسور في الجمجمة أو حدوث جروح غائرة نتيجة لوقوع حادثة سير عنيفة، من الممكن أن تسبب تلك الحوادث نوبة صرعية أولية في الأيام الأولى لوقوع الحادثة أو بعد وقوعها بشهور أو سنوات مما يؤدي إلى ظهور مرض الصرع لدى المصاب.

التعفنات الدماغية

قد تؤدي التعفنات التي تحدث في الجهاز العصبي المركزي إلى حدوث نوبات صرعية ويتم ذلك من خلال اصابة الخلايا الدماغية بواسطة الميكروبات داخل الدماغ مما يعمل على تولد شحنات كهربية غير طبيعية تتسبب في مرض الصرع.

الأورام الدماغية

تتسبب الأورام الدماغية الحميدة والخبيثة على حد سواء في حدوث نوبات صرعية عامة وجزئية، وفئة المسنين هو أكثر عرضة للاصابة بهذا النوع ويكون قليل عند الأطفال والشباب ويمكن الاستدلال عليها بوجود صداع مزمن مع تكرار النوبات الصرعية.

الجلطة الدماغية

تعد الإصابة بالجلطة الدماغية أحد الأسباب المباشرة للإصابة بمرض الصرع، وتحدث نتيجة انسداد أحد الشرايين الدماغية مما يؤدي إلى نقص كمية الأكسجين اللازمة لتلك الخلايا وبالتالي في النهاية تؤدي إلى حدوث اضطرابات كهربية والاصابة بالنوبات الصرعية.

الاضطرابات في المواد المغذية للخلايا

يحدث ذلك نتيجة اختلال مستوى الأيونات والمواد المغذية لخلايا المخ مثل حدوث خلل في مستوى السكر في الدم أو مستوى بعض الأملاح المعدنية يؤدي إلى حدوث نوبات صرعية وعادة ما يعود الشخص للحالة الطبيعية بعد عودتها للنسب الطبيعية.

الأسباب الدوائية

في حالة عدم الانتظام في تناول الادوية إما بزيادة الجرعة أو التوقف عن تناول الدواء بشكل مفاجيء يتسبب في عودة النوبات الصرعية وتفاقمها، ومثال على ذلك بعض الأدوية التي التي ينتج عنها اضطراب في الخلايا المخية.

التسمم الخلوي

في غالب الأحيان يؤدي التناول المفرط للكحول ومختلف أنواع المخدرات إلى حدوث النوبات الصرعية، وكذلك مواد السماد التي يستعملها الفلاحين لرش الأراضي يجب تجنبها.

تصلب الحصين

عند التصوير بالرنين المغناطيسي يظهر تصلب الحصين على شكل ضمور مخي على مستوى الحصين، وهذا هو السبب الرئيسي لحدوث الصرع الجزئي الصدغي.

أعراض الصرع

تختلف أعراض النوبة الصرعية نظرا لاختلاف أنواعها، ومن الممكن أن تسبق النوبة الصرعية بعض البوادر التي تنذر بقرب وقوعها. ويتم تصنيف النوبات الصرعية وفقا للخصائص السريرية ونتائج التخطيط الكهربي للدماغ إلى جزئية وعامة. تنتشر النوبة العامة في نصفي القشرة المخية وتنقسم إلى اهتزازية وتوترية بالاضافة إلى النوبة الرمعية والنوبة الوانية، أما النوبة الجزئية تنتشر في جزء من الدماغ تبعا لمكان انطلاقها وتتميز بوجود أعراض حسية أو نفسية أو حركية.

بوادر النوبة الصرعية

قبل المرحلة الاهتزازية أو التوترية تظهر بعض البوادر التي تدل على قرب حدوث النوبة الصرعية حيث تعتمد هذه البوادر على مكان انطلاق الشحنات الكهربية في الفصوص المخية. وتكون هذه البوادر عبارة عن الشعور بالقلق والخوف والاحساس بالدوار ومن الممكن أن يكون هناك تنميل أو خدر على مستوى الأطراف وحدوث حركات غير طبيعية في جسم الشخص المصاب. وفي أحيان أخرى تظهر بعض هذه البوادر في الشعور بالجوع والرغبة في التقيؤ وكذلك الإحساس بالهلوسات السمعية أو البصرية. وفي بعض الحالات من الممكن أن يشم المريض روائح غير طبيعية أو الاحساس باضطرابات في مدى وعيه بالأشياء. ويجب على المريض عند ظهور هذه البوادر التواجد في مكان آمن حتى يتجنب السقوط أرضا عند حدوث النوبة الصرعية.

النوبة الجزئية

يتم تقسيم النوبة الجزئية إلى قسمين هما النوبة الجزية البسيطة والمعقدة، وتختلف الاعراض في هذا النوع من النوبات الصرعية حسب المنطقة المصابة. فنجد منها النوبة الجبهية والنوبة الصدغية والنوبة القفوية والنوبة الجدارية وغيرها.

أعراض النوبة الجزئية البسيطة

تدوم هذه النوبة لمدة من ثوان إلى ثلاث دقائق، ويحافظ فيها المريض على الوعي بالمحيط مع ظهور تقلصات وارتعاشات لجزء من الجسم وعندها يجد المريض صعوبة في الكلام بطريقة سليمة، وتحدث مشاكل في الحواس ينتج عنها هلوسة.

أعراض النوبة الجزئية المعقدة

تدوم هذه النوبة أيضا لمدة من ثوان إلى ثلاث دقائق، ولكن يفقد المريض الوعي بمحيطه، ويقوم بحركات تلقائية دون هدف مثل اظهار حركات المضغ والتمتمة.

النوبة العامة

يتم تقسيم النوبة العامة إلى نوبة اهتزازية ونوبة توترية ونوبة توترية اهتزازية ونوبة رمعية ونوبات الغياب.

أعراض النوبة التوترية الاهتزازية

  1. المرحلة التوترية: تدوم هذه المرحلة من 10 إلى 20 ثانية، حيث يحدث فيها تصلب عضلي عام مع التعرق وتوقف التنفس وكثرة افرازات اللعاب مع ارتفاع في ضربات القلب وقد يصاحب ذلك عض جانبي للسان.
  2. المرحلة الاهتزازية: تدوم هذه المرحلة لمدة 30 ثانية، ويحدث فيها اهتزاز عضلي عام ومنتظم.
  3. المرحلة النهائية: تدوم هذه المرحلة لعدة دقائق، حيث يحدث فيها استرخاء عضلي تام والدخول في غيبوبة مع فقدان التحكم في المخارج، ولا يحتفظ المريض بأي ذكرى عن النوبة الصرعية.

أعراض نوبات الغياب

تدوم النوبات من هذا النوع بضع ثوان فقط، الأكثر عرضة لهذا النوع من الصرع هم الاطفال، حيث يتوقف المريض فجأة عن أي نشاط كان يقوم به ويحدق ببصره وقد تنتابه رمشات منتظمة للعين.

تصرفات يجب اتخاذها عند وقوع النوبة الصرعية

  • الاحتفاظ بالهدوء فقد يكون مشاهدة المريض لأول مرة في هذه الحالة مخيفا لذلك يجب عليك أن تحتفظ بهدوئك.
  • يجب الامساك بالمريض ووضعه بهدوء على الأرض وابعاد جميع الأشياء الضارة لأنه من الممكن أن يسقط ويصيب نفسه أو رأسه.
  • مساعدة المريض على التنفس بارتياح ومحاولة التخلص من كل شيئ قد يكون ضاغطا على مجرى التنفس.
  • إذا طالت مدة النوبة عن أكثر من خمس دقائق عليك استدعاء سيارة الاسعاف في الحال.

علاج مرض الصرع

الأدوية والعقاقير

  • من الشائع استخدام الأدوية والعقاقير في علاج الصرع حيث تتميز العقاقير المضادة للصرع بالقدرة الهائلة للحد من النوبات الصرعية بشرط اتباع أوامر الطبيب والالتزام بمواعيد الدواء.
  • يقوم الطبيب عند وصف الدواء بالأخذ في الحسبان نوع الصرع والمضاعفات المصاحبة لهذا الدواء وكذلك أي أنواع أدوية أخرى يأخذها المريض لأي سبب مثل أدوية الضغط والسكر وموانع الحمل وكذلك العمر والجنس. وفي حالة عدم استجابة الدواء يقوم الطبيب بتغييره أو زيادة عدد الجرعات التي يتناولها المريض.
  • والأدوية المضادة للصرع متعددة وكثيرة ومنها أدوية قديمة ولا تزال تستخدم حتى الآن نظرا لفاعليتها مثل فينوباربتول و ديزبام و فالبروات، ومنها الحديثة التي تم تصنيعها مؤخرا وهي أدوية فعالة ومهمة وتتميز بقلة الأعراض الجانبية وضعف التفاعلات مع الأدوية الأخرى ومنها فيلبمات و تياكابين و لموتغيجين و توبيغيمات وغيرها.

الجراحة

تستخدم الجراحة للتخلص من مرض الصرع وذلك باستئصال المنطقة المسؤولة عن النوبات الصرعية في الدماغ، وتستخدم الجراحة لعلاج حالات الصرع المقاوم للعقاقير. ويتم الاستعانة بها للجراحة المبكرة لبعض حالات الصرع الجزئي للأطفال وقد تتمكن الجراحة من التخلص التام من النوبات الصرعية.