مرض الدرن

مرض الدرن من الأمراض التي تصيب مختلف أعضاء الجسم، ويظهر في صور متعددة لا حصر لها، وهو أكثر الأمراض المعدية تسببا في وفاة المرضى على مستوى العالم. ورغم أن معدلات مرض الدرن تقل بمرور السنين في الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن تلك المعدلات في ازدياد كبير في الكثير من دول العالم. والأدهى من ذلك هو زيادة حالات مرض الدرن التي لا تستجيب للعلاج بأدوية الدرن المتاحة. ويعتقد أن من أسباب ظهور فصائل ميكروب الدرن المقاومة للعلاج إصابة المرضى بمرض متلازمة ضعف المناعة المكتسبة (الأيدز).

ميكروب الدرن

ميكروب الدرن

ميكروب الدرن هو نوع من البكتريا العصوية تسمى: “ميكوبكتيريوم تيوبركولوزيس”، وهو ميكروب بطيء النمو، يتكاثر داخل الخلايا المصابة، وينمو في مجموعات على شكل حبال متوازية. ويتراوح طول الميكروب الواحد بين 2-4 ميكرومتر.

كيفية انتقال المرض

  • السعال: عند السعال ينتقل المرض من الشخص المريض إلى الشخص السليم في معظم الأحوال عن طريق الهواء المحمل بالميكروبات.
  • الجلد: وإلى جانب ذلك فقد سجلت حالات انتقل فيها الميكروب عن طريق الجلد
  • الطعام أو الشراب: عن طريق الطعام أو الشراب إلى القناة الهضمية.

وبعد انتقال الميكروب إلى الشخص السليم، يظل خاملا في معظم الأحوال، إذا كان جهاز المناعة يعمل بكفاءة طبيعية، وتظهر أعراض المرض في خمسة بالمائة فقط من هؤلاء المصابين. وقد تتطور الحالات الخاملة في أي وقت إلى مرض ظاهر إذا ضعف جهاز المناعة عند الشخص المصاب لأي سبب. وتساهم عدة عوامل في تحديد إمكانية انتقال المرض من شخص إلى آخر، منها أعداد الميكروبات المنتشرة في الهواء أثناء سعال المريض، ومستوى تركيز تلك الميكروبات في حيز الهواء المحيط بالمريض، ومدة اختلاط الشخص السليم بالمريض، ومدى كفاءة جهاز المناعة عند الشخص السليم.

أعضاء الجسم المصابة بميكروب الدرن

يبدأ المرض عادة في الرئتين، إلا أنه قد ينتشر بعد ذلك إلى معظم أعضاء الجسم عن طريق تيار الدم، وذلك لأن خلايا الدم البيضاء تقوم بالتهام الميكروب في محاولة للقضاء عليه، إلا أنه يستطيع التكاثر داخل تلك الخلايا، والتي بدورها تحمله معها أثناء سرين الدم إلى أجزاء الجسم المختلفة. فقد ينتشر الميكروب إلى المخ والكلى والكبد والغدد اللمفاوية والقلب والعظام والعمود الفقري …. الخ. وإلى جانب ذلك فقد سجلت حالات يبدأ فيها المرض خارج الرئتين، خاصة في مرضى ضعف المناعة. وفي هذه المجموعة الأخيرة من المرضى قد ينتشر الميكروب في الجسم بكميات لا تحصى وسرعة كبيرة، وتنشأ بذلك حالة حادة شديدة الخطورة.

الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة بمرض الدرن

تزيد فرص الإصابة بمرض الدرن في الحالات الآتية:

  • الحياة في الأماكن المزدحمة والمدن الصغيرة والفقيرة.
  • العاملين في المستشفيات من الأطباء والممرضات والموظفين.
  • العاملين في السفن والغواصات.
  • الأشخاص كثيري السفريات عبر القارات.
  • المساجين والعاملين في السجون.
  • مدمني الحقن المخدرة.
  • مرضى متلازمة ضعف المناعة المكتسبة (الأيدز).
  • تناول المشروبات الكحولية.
  • مرضى السكري وأمراض المناعة والأورام والعلاج الكيماوي والفشل الكلوي.
  • المدخنين.
  • الأطفال قبل عمر الخامسة الذين يتعرضون لمرضى الدرن.

العوامل الوراثية

العوامل الوراثية (الجينات)، سواء منها المرتبطة بزيادة القابلية للإصابة بمرض الدرن، أو تلك المرتبطة بمقاومة الجسم لهذا المرض، هي عوامل معقدة ومتشابكة، وتتصل بالجهاز المناعي وبكيفية تفاعل الجسم مع ميكروب الدرن. وقد تم التعرف على عدد كبير من هذه العوامل الوراثية نتيجة للأبحاث الطبية المتقدمة التي أجريت بهذا الخصوص.

أعراض مرض الدرن

تشمل الأعراض المعتادة للدرن الرئوي النشط ما يلي:

  • السعال.
  • فقدان الشهية وفقدان الوزن.
  • ارتفاع درجة حرارة الجسم.
  • زيادة العرق أثناء الليل.
  • البلغم المختلط بالدم.
  • آلام الصدر.

ورغم أن هذه الأعراض قد تكون ناتجة عن مرض آخر غير مرض الدرن، إلا أنه عند وجود هذه الأعراض يزداد الشك في أن المريض مصاب بالدرن في الحالات الآتية:

  • مرضى متلازمة ضعف المناعة المكتسبة (الأيدز).
  • إذا كان المريض قد سبق إصابته بالدرن.
  • إذا كان المريض مخالطا لمريض آخر مصاب بالدرن.
  • القدوم من المناطق الموبوءة بمرض الدرن أو السفر إليها.
  • المقيمون بالشوارع أو بمساكن الإيواء أو بالسجون.
  • إذا كانت نتيجة الاختبار الجلدي الخاص بالدرن (وهو اختبار تيوبركلين) إيجابية.

أما أعراض مرض الدرن الذي يصيب أعضاء الجسم الأخرى، والذي يحدث في حوالي عشرين في المائة من الحالات، فإنها تختلف باختلاف العضو المصاب. فإصابة المخ والأغشية المحيطة به يمكن أن تظهر في صورة صداع شديد، واختلال في مستوى الوعي، واختلال في الحالة العقلية للمريض، وتشنجات عضلية. وإصابة عظام العمود الفقري قد تؤدي إلى آلام بالظهر، وضعف أو شلل بالساقين. وإصابة المفاصل قد تؤدي إلى آلام وتورم واحمرار وصعوبة بالحركة. وإصابة الجهاز البولي قد تؤدي إلى آلم بالجانبين أو أحدهما وآلام أثناء التبول، وظهور للدم بالبول. وقد يصيب الدرن الأعضاء التناسلية للرجال كالبروستاتا والخصيتين، ويؤدي إلى التهاب وألم بهذه الأعضاء. وقد يحدث نفس الشيء بالأعضاء التناسلية للإناث، ويمكن أن ينتهي الأمر بالعقم. وإصابة الجهاز الهضمي قد تؤدي إلى تقرحات لا تلتئم بالفم والشرج وصعوبة في البلع وآلام بالبطن وإسهال ونزول للدم مع البراز أو نزيف من الشرج. وإصابة الجلد قد تظهر في صورة قرح جلدية. وتتضخم الغدد اللمفاوية التي تصرف الأماكن المصابة دلالة على إصابتها.

تشخيص مرض الدرن

الفحوص الطبية

هناك اختباران يستخدمان في عمليات المسح الشامل لاكتشاف الأشخاص المصابين بالدرن:

  • الاختبار الجلدي ” تيوبركلين “، وهو الأكثر استخداما.
  • فحص الدم للأجسام المضادة للدرن.

أما الأشخاص الذين يظن في إصابتهم بالدرن الرئوي فعليا فتجرى لهم الأبحاث التالية:

  • فحص البصاق بالصبغات الخاصة بميكروب الدرن.
  • مزرعة البصاق الخاصة بالدرن.
  • فحص الدم لمرض الأيدز يجب إجراؤه لكل مريض يظن في إصابته بالدرن.
  • فحص الصدر بالأشعة السينية.
  • المسح الذري للرئتين.

وبالنسبة لإصابة أعضاء الجسم الأخرى فقد يحتاج تشخيص المرض إلى أخذ عينات وعمل مزارع لميكروب الدرن من الأعضاء المختلفة، مثل الكبد أو الكلى أو نخاع العظام أو السائل الشوكي، إلى جانب مزارع البول والبراز والدم لميكروب الدرن. كما قد يحتاج الأمر إلى الفحص بالأشعة المقطعية بالحاسب الآلي والفحص بالرنين المغناطيسي للأعضاء المختلفة.

علاج مرض الدرن

الاحتياطات الضرورية أثناء علاج مريض الدرن:

يجب عزل المرضي المحتمل إصابتهم بمرض الدرن في غرف خاصة، تجهز بضغط سلبي (شفط إلى الداخل) لمنع خروج الهواء وانتشار المرض ليصيب أشخاصا آخرين، أو غرف محاطة بمرشحات للهواء عالية الكفاءة. ويجب على الطاقم الطبي الذي يعتني بالمريض أن يرتدوا القفازات الطبية والكمامات على الفم والأنف. وتستمر هذه الاحتياطات أثناء العلاج، لمدة شهر تقريبا، حتى يتم التأكد من أن فحص عينات البصاق سلبي لميكروب الدرن ثلاث مرات متتالية على الأقل. ورغم أن هذه الاحتياطات في غاية الأهمية، إلا أنه من المفارقات المحزنة أنها احتياطات مكلفة وغير متاحة في الدول الأشد فقرا والتي هي المرتع الأساسي لمرض الدرن.

العقاقير المستخدمة في علاج مرض الدرن

رغم أن مرض الدرن ينتج عن ميكروب ينتمي إلى عائلة البكتريا، إلا أنه ميكروب شديد المقاومة ولا يتأثر بالمضادات الحيوية المعتادة الفعالة في القضاء على معظم أنواع البكتيريا. ولهذا السبب فإن مرض الدرن يتم علاجه بعقاقير خاصة، ولا يستخدم منها عقار واحد وإنما عدة عقاقير في وقت واحد، كما يستمر العلاج لشهور طويلة.

فيبدأ علاج مرض الدرن عادة بأربعة عقاقير تعطى معا وهي: “أيزونيازيد” و “ريفامبيسين”و بايرازينامايد” والعقار الرابع يمكن أن يكون إما “إيثامبوتول” أو “ستربتومايسين”.

يتم تعديل جرعات تلك الأدوية والتوقف عن بعضها واستمرار بعضها تبعا لاستجابة المريض للعلاج. ولهذه العقاقير للأسف الشديد أعراض جانبية كثيرة، لذا يلزم متابعة المريض بعناية، وعادة نحتاج للتحليل المتكرر لكرات الدم البيضاء والحمراء والصفائح الدموية، ولوظائف الكلى والكبد وحمض البوليك بالدم، كما نحتاج لفحص دوري للعينين أثناء فترة العلاج. وربما اضطر الطبيب للتوقف عن وصف دواء معين لظهور آثار جانبية خطيرة منه، وربما يتم تبديل دواء بآخر، وهكذا. وتزداد كل هذه المشاكل بطبيعة الحال في السيدات الحوامل اللاتي يعالجن من مرض الدرن. كما يمثل علاج الأطفال المصابين بالدرن صعوبة خاصة نظرا لزيادة الآثار الجانبية لديهم. وقد يضاف دواء خامس في حالات خاصة، وهو مشتقات الكورتيزون، والتي تستخدم خاصة عند إصابة الأغشية المحيطة بالمخ بمرض الدرن. ويستمر العلاج لشهور طويلة تصل إلى ستة أو تسعة أشهر، وربما استمر لمدة سنة كاملة.

ومما يزيد الأمر صعوبة أن هناك فصائل من ميكروب الدرن شديدة المقاومة للعلاج حتى مع استخدام أربعة عقاقير ولمدد طويلة. ويمثل علاج هذه الحالات تحديا كبيرا للأطباء المعالجين، حيث يضطرون لإضافة أدوية أخرى مما يزيد الآثار الجانبية بشكل ملحوظ. ولا يقتصر الأمر على العلاج بالعقاقير وإنما قد يحتاج بعض المرضى لإجراء عمليات جراحية إلى جانب العلاج الدوائي. ومن هذه العمليات مثلا استئصال أجزاء من الرئة المصابة أو الرئة بأكملها، للتخلص من الكم الضخم من ميكروب الدرن الموجود بها، شديد المقاومة للأدوية المستخدمة في العلاج.